دور السفراء- تعزيز العلاقات الشعبية و توطيد الروابط الإنسانية

المؤلف: علي بن محمد الرباعي10.14.2025
دور السفراء- تعزيز العلاقات الشعبية و توطيد الروابط الإنسانية

في كل أرجاء المعمورة، يظل الأفراد مجبولين على الفضول الذي يدفعهم نحو استكشاف الآخرين، والشوق الفطري الذي يُلهب فيهم الرغبة في التواصل مع مختلف الأجناس والأطياف. أغلب الناس ينزعون إلى الإنسانية، وهو ما تجسده وسائل التواصل الاجتماعي من خلال محتوى يقدمه أفراد يعشقون الاستكشاف والترحال، ويلتقون بأشخاص متنوعين في كل بقاع الأرض.

لا ريب أن أغلبية المجتمعات تحتفظ بنقائها الفطري الأصيل، إلى أن تعبث بها خطابات مُغرضة فتشوهها، أو تُربكها تيارات إعلامية متضاربة، فتنزلق إلى الأدلجة أو التسييس أو الاستهلاك، وتتأثر عواطفها ومواقفها تبعاً للمشاعر الزائفة أو السلبية أو الإيجابية التي يغذيها بها الإعلام.

أتمنى أن يكون ضمن صميم مهام السفراء، العمل على توظيف واستثمار النخب المجتمعية والقوى الناعمة، في تعزيز الروابط بين الشعوب، وذلك من خلال إيجاد منصات للحوار والتفاعل المباشر بين مختلف الشرائح. فالشعوب هي الثابت، بينما الحكومات متغيرة والسياسات متبدلة، ومحبة الشعوب وتقديرها كنز لا ينضب.

قد ينغمس السفير في واجباته الرسمية المرهقة التي تستنفد وقته، وقد ينحصر نطاق عمله في دوائر ضيقة، حول رئيس الدولة والحكومة ووزارة الخارجية، مما يستهلك طاقته وجهده في مساعٍ قد تُثمر وقد لا تُثمر، أو تكون نتائجها محدودة. لذا، فإن التفكير في الدائم هو الأجدى.

مما لا شك فيه أن العمل على تعزيز التواصل بين الشعوب، وتقوية الروابط الإنسانية بغض النظر عن الانتماءات الدينية والمذهبية، يُعد رافداً أساسياً للدور الدبلوماسي. فالتبادل الثقافي، والتلاقح الفكري والأدبي والفني، والتعاون الاجتماعي والسياحي والاقتصادي، هي أدوات لتقارب الشعوب وتآلفها.

منذ فجر التاريخ، حمل السفراء رسائل الخير، ونقلوا أسمى القيم. إنهم يحملون أصدق وأنبل ما في دولهم وشعوبهم، ويعكسون حقيقة المجتمعات التي يعيشون فيها لقيادتهم. السفراء، مع فرق عملهم، هم نموذج مصغر لأوطانهم، ينبضون بالحياة ويتفاعلون مع مختلف مجالات الإبداع والتميز.

بمقدور السفير أن يفتح قنوات اتصال بين رجال الأعمال في بلده والدولة المضيفة، وأن يتبنى فعاليات ثقافية وفكرية ولقاءات شبابية، وأن يقترح زيارات متبادلة، ويوجه الدعوات لحضور المناسبات. كل ذلك يساهم في تكوين انطباع إيجابي، ويعزز أواصر المودة.

قد يرى البعض أن السفير المثقل بالأعباء لا يمكنه القيام بكل ما نأمله منه، وهذا صحيح إلى حد ما. ولكن، لدى السفير كوادر مؤهلة من المثقفين والفنانين والإعلاميين والاقتصاديين، قادرون على تقديم أداء استثنائي بروح إيجابية واندفاع وطني نبيل.

السفير لا يمثل نفسه، ولا يعمل وفق أهوائه الشخصية، بل يتحرك ضمن مساحة محددة تحددها إمكانياته ومتطلبات العمل الدبلوماسي. ومع ذلك، عرفنا سفراء رسخوا علاقات صداقة واحترام بين بلدانهم والدول التي خدموا فيها، بفضل انتمائهم الصادق وحضورهم المؤثر، دون المساس بهيبة الدبلوماسية.

لن أطالب أي سفير باستقبال كل مواطن يأتي إلى الدولة التي يمثلها، ولا بدعوته لزيارة السفارة، فالوقت ضيق والمهام كثيرة. ولكن، العطاء يولد العطاء، والتفاني في البذل يزيل الإحساس بالتعب. وكما قال المتنبي قديماً "والجودُ بالنفس أقصى غاية الجودِ".

قرأنا قصص سفراء عرب وغربيين، تزخر بالإنجازات والكياسة. فالسفير يضطلع بدور حضاري يتمثل في تعريف شعب الدولة المضيفة على تراث وعادات وتقاليد بلاده، وزرع بذور المحبة والتآخي، وترك بصمة طيبة في نفوس كل من عرفه وتعامل معه.

قد يظن البعض أن دور السفير يقتصر على تعزيز العلاقات بين حكومات بلاده والحكومات الأخرى، دون الالتفات إلى ثقافة المجتمعات التي يعيش فيها، أو نقل ثقافة شعبه. هذا التصور قاصر، فالسفارة أوسع من مجرد عمل روتيني محاط بأسوار وهمية.

في كل دول العالم، توجد بعثات طلابية ودبلوماسية، قادرة على خلق فضاء تفاعلي وحوار حضاري، وترسيخ قيم التسامح والتعايش والتقدير، وإظهار الصورة الحقيقية للإنسان الذي يمثله السفير بتكليف من دولته.

كل ما سبق لا ينفي وجود سفراء يقومون بهذه الأدوار، ولكن ربما يفضل البعض العمل في صمت. لكل سفير على وجه الأرض منا كل التقدير والاحترام.

همسة:

للسياسيين وجوه متعددة، وللشعوب وجه واحد.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة